رأي.. بشار جرار يكتب عن اعتزال الصدر و “خلاص العراق” المنتظر: معمودية النار في أرض الأنبياء والأولياء
راديو الأمل FM | سي إن إن
هذا المقال بقلم بشار جرار، متحدث ومدرب غير متفرغ مع برنامج الدبلوماسية العامة – الخارجية الأمريكية، والآراء الواردة أدناه تعبر عن رأي الكاتب ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة CNN
ما عرف العراق الحديث استقرارا باستثناء عهده الزاهر بالملكية الهاشمية ولا أمنا بعد ذلك سوى أيام الراحل صدام حسين حتى في نظر من أسقطوه “كطاغية”. اندلعت الشرارة في يوم -قد يكون كغيره من أيام صيف آب اللهاب، لكن التاسع والعشرين من أغسطس قد يكون “أول الغيث قطر” بتسكين الطاء وضم الراء، نسأل الله ألا يكون داميا.
عام 2003 كتبت مقالة بعنوان “ربيع بغداد الخماسيني” نسبة إلى الحالة الجوية التي تحجب من خلالها الرؤية والرؤيا معا. حالة من انعدام استقرار وظفتها للتعبير عن شكوكي بأن ما جرى يوم إسقاط أو سقوط النظام في العراق لم يكن ربيعا أبدا، بصرف النظر عن الموقف من صدام أو البعث أو الطغمة العسكرية الحاكمة (الأوليغارك).
كنت ليلة اشتباكات المنطقة الخضراء بعيد اعتزال السيد مقتدى الصدر المفاجئ ضيفا على قناة عراقية تعتبر من الأصوات القليلة المستقلة والوطنية الداعمة لاستقلال العراق وتعافيه من كل ما أدى إلى حروبه الطوال وجميعها وضعت أوزارها نظريا باستثناء ثلاث: حرب النفوذ الخارجي وأخطره إيران، حرب استبدال طغيان الحزب بطغيان المذهب، وحرب الفساد.
الحال لا يسر حبيبا ولا حتى عدوا للعراق، فعراق يشهد هذه المعدلات المروعة من انهيار مؤسسات الدولة وبنيتها التحتية وتفشي الأمية والبطالة والطلاق والمخدرات، عراق كهذا بانتظار خلاص لا مجرد تشكيل حكومة وضبط للنفس كما دعت معظم العواصم الإقليمية والعالمية وفي مقدمتها واشنطن.
وككل أزمة تولدها حالة احتقان شعبي، يتنابز السياسيون بالألقاب حتى وصل الأمر إلى تسريبات صوتية – بصرف النظر عن صحتها ودقتها – هيّأت لما شهدناه منذ اعتزال الصدر وبدء أنصاره باقتحام المنطقة الخضراء من أكثر من محور في أشبه ما يكون بعمليات لها غرفة قيادة في ضوء ما شهدته جميع المحافظات العراقية ذات الثقل الصدري أو الإطار التنسيقي والحشد الشعبي. وعندما تصل الأمور إلى ما هو أبعد من حالة الإنذار “جيم” وفقا لمذكرة متداولة للقوات المسلحة العراقية، وبدء الوفود الدبلوماسية بإخراج كوادرها من بغداد وحتى العراق، فإن ما يجري ليس بالاحتجاج العابر على ذلك التعطيل والاستعصاء الذي أوغلت إيران في استخدامه في العراق ولبنان. الفارق أن احتكار حزب الله للقوة لا يوازيه قوة واحدة في العراق. وهنا تكمن النقمة – النعمة فيما قد يجعل من معمودية النار في بلاد الأنبياء والأولياء، انعتاقا وخلاصا يتحقق فيه البعث الحقيقي لعراق الحضارات والأديان، عراق لا محاصصة فيه، عراق واحد موحد يكون فيه المواطنون كافة سواسية في دولة مؤسسات لها علم واحد وجيش واحد.
لكن خطر تغيير النظام قد يحمل أخطار تغيير الدولة في سياق رؤى البعض لشرق أوسط جديد يتحقق فيه الاندماج الاقتصادي من كركوك إلى حيفا كما كان الوضع قبل الربيع العربي وقبل حتى سايكس بيكو.
هل تصدق تحذيرات برنارد ليفي – الفيلسوف الفرنسي الذي اعتبر عراب الربيع العربي خاصة في ليبيا – من انهيار الدولة العراقية الحالية وقيام دولة كردية في الشمال؟ هل ترضى تركيا التي تحث الخطى نحو دمشق طالبة المصالحة و”الرضى” بذلك؟ هل تبشر أحداث العراق الراهنة بسقوط مدو للنفوذ الإيراني -سياسيا ومذهبيا- وسيلة أو غاية للاتفاق الوشيك مع طهران؟